سورة الكهف - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{نحن نقصُّ عليك نبأهم} خبرهم {بالحق} بالصِّدق {إنهم فتية} شُبَّانٌ وأحداثٌ {آمنوا بربهم وزدناهم هدى} ثبَّتناهم على ذلك.
{وربطنا على قلوبهم} ثبتناها بالصَّبر واليقين {إذ قاموا} بين يديّ ملكهم الذي كان يفتن أهل الأديان عن دينهم {فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً} كذباً وجوراً إنْ دعونا غيره.
{هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة} يعنون: الذين عبدوا الأصنام في زمانهم {لولا} هلاَّ {يأتون عليهم} على عبادتهم {بسلطانٍ بيِّن} بحجَّةٍ بيِّنةٍ {فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً} فزعم أنَّ معه إلهاً، فقال لهم تمليخا- وهو رئيسهم-: {وإذ اعتزلتموهم} فارقتموهم {وما يعبدون} من الأصنام {إلاَّ الله} فإنكم لن تتركوا عبادته {فأووا إلى الكهف} صيروا إليه {ينشر لكم ربكم من رحمته} يبسطها عليكم {ويهيَّئ لكم من أمركم مرفقاً} يُسهَّل لكم غذاءً تأكلونه.
{وترى الشمس إذا طلعت تزاور} تميل عن كهفهم {ذات اليمين} في ناحية اليمين {وإذا غربت تقرضهم} تتركهم وتتجاوز عنهم {ذات الشمال} في ناحية الشِّمال، فلا تصيبهم الشَّمس ألبتةَ؛ لأنَّها تميل عنهم طالعةَ غاربةً، فتكون صورهم محفوظة، {وهم في فجوة منه} مُتَّسعٍ من الكهف ينالهم برد الرِّيح ونسيم الهواء. {ذلك} التَّزوار والقرض {من آيات الله} دلائل قدرته ولطفه بأصحاب الكهف. {من يهد الله فهو المهتد} أشار إلى أنَّه هو الذي تولَّى هدايتهم، ولولا ذلك لم يهتدوا.
{وتحسبهم أيقاظاً} لأنَّ أعينهم مُفتَّحة {وهم رقود} نيامٌ {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} لئلا تأكل الأرض لحومهم {وكلبهم باسط ذراعيه} يديه {بالوصيد} بفناء الكهف {لو اطلعت} أشرفت {عليهم لوليت} أعرضت {منهم فراراً ولملئت منهم رعباً} خوفاً وذلك أنَّ الله تعالى منعهم بالرُّعب لئلا يراهم أحد.


{وكذلك} وكما فعلنا بهم هذه الأشياء {بعثناهم} أيقظناهم من تلك النَّومة التي تشبه الموت {ليتساءلوا بينهم} ليكون بينهم تساؤلٌ عن مدَّة لبثهم {قال قائل منهم كم لبثتم} كم مرَّ علينا منذ دخلنا الكهف؟ {قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم} وذلك أنَّهم دخلوا الكهف غدوةً، وبعثهم الله في آخر النَّهار، لذلك قالوا: يوماً، فلمَّا رأوا الشمس قالوا: أو بعض يوم، وكان قد بقيت من النَّهار بقيةٌ، فقال تمليخا: {ربكم أعلم بما لبثتم} ردَّ علم ذلك إلى الله سبحانه {فابعثوا أحدكم بورقكم} بدراهمكم {هذه إلى المدينة فلينظر أيها} أَيُّ أهلها {أزكى طعاماً} أحلّ من جهةِ أنَّه ذبيحةُ مؤمن، أو من جهة أنَّه غير مغصوب، وقوله: {وليتلطف} في دخول المدينة وشراء الطَّعام حتى لا يَطَّلِع عليه أحدٌ {ولا يشعرنَّ بكم} ولا يخبرنَّ بكم ولا بمكانكم {أحداً}.
{إنهم إن يظهروا عليكم} يطَّلعوا ويُشرفوا عليكم {يرجموكم} يقتلوكم {أو يعيدوكم في ملتهم} يردُّوكم إلى دينهم {ولن تفلحوا إذاً أبداً} لن تسعدوا في الدُّنيا ولا في الآخرة إن رجعتم إلى دينهم.
{وكذلك} وكما بعثناهم وأنمناهم {أَعْثرنا} أطلعنا {عليهم ليعلموا} ليعلم القوم الذين كانوا في ذلك الوقت {أنَّ وعد الله} بالثَّواب والعقاب {حقٌّ وأنَّ الساعة} القيامة {لا ريب فيها} لا شكَّ فيها، وذلك أنَّهم يستدلُّون بقصَّتهم على صحَّة أمر البعث {إذ يتنازعون} أَي: اذكر يا محمد إذ يتنازع أهلُ ذلك الزَّمان أمرَ أصحاب الكهف {بينهم} وذلك أنَّهم كانوا يختلفون في مدَّة مكثهم وفي عددهم. وقيل: تنازعوا فقال المؤمنون: نبني عندهم مسجداً، وقال الكافرون: نُحوِّط عليهم حائطاً. يدلُّ على هذا قوله: {ابنوا عليهم بنياناً} استروهم عن النَّاس ببناءٍ حولهم، وقوله: {ربُّهم أعلم بهم} يدلُّ على أنَّه وقع تنازعٌ في عدَّتهم. {قال الذين غلبوا على أمرهم} وهم المؤمنون، وكانوا غالبين في ذلك الوقت. {لنتخذنَّ عليهم مسجداً} فذكر في القصَّة أنّه جعل على باب الكهف مسجد يصلَّى فيه.


{سيقولون ثلاثة...} الآية. أخبر الله تعالى عن تنازعٍ يجري في عدَّة أصحاب الكهف، فجرى ذلك بالمدينة حين قدم وفد نصارى نجران، فجرى ذكر أصحاب الكهف، فقالت اليعقوبيَّة منهم: كانوا ثلاثةً رابعُهم كلبهم، وقالت النِّسطورية: كانوا خمسةً سادسهم كلبهم، وقال المسلمون: كانوا سبعةً وثامنهم كلبهم، فقال الله تعالى: {قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلاَّ قليل} من النَّاس. قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل، ثمَّ ذكرهم بأسمائهم فذكر سبعة. {فلا تمار} فلا تجادل في أصحاب الكهف {إلاَّ مراءً ظاهراً} بما أنزل عليك، أَيْ: أَفتِ في قصَّتهم بالظَّاهر الذي أنزل إليك، وقل: لا يعلمهم إلاَّ قليل كما أنزل الله: {ما يعلمهم إلاَّ قليل}، {ولا تستفت فيهم} في أصحاب الكهف {منهم} من أهل الكتاب {أحداً}.
{ولا تقولنَّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلاَّ أن يشاء الله} هذا تأديبٌ من الله سبحانه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم، وأمرٌ له بالاستثناء بمشيئة الله سبحانه فيما يعزم. يقول: إذا قلت لشيءٍ: إني فاعله غداً فقل: إن شاء الله. {واذكر ربك إذا نسيت} أراد: إذا نسيت الاستثناء بمشيئة الله سبحانه فاذكره وقله إذا تذكَّرت {وقل عسى أن يهديني ربي} أَيْ: يعطيني ربِّي من الآيات والدّلالات على النُّبوَّة ما يكون أقرب في الرُّشد، وأدلَّ من صحَّة قصَّة أصحاب الكهف، ثمَّ فعل الله به ذلك حيث أتاه علم غيوب المرسلين وخبرهم، ثمَّ أخبر عن قدر مدَّة لبثهم في الكهف بقوله: {ولبثوا في كهفهم} منذ دخلوه إلى أن بعثهم الله {ثلثمائةٍ سنين وازدادوا} بعدها تسع سنين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7